- سقاف . كوم - https://www.saqaf.com -

وزنٌ زائد – خاطرة مسافر

[1]

تبدو الحركة في المطارات الناجحة انسيابية وسلسة وكأن المسافرين جميعهم يعملون في المطار ويعرفون تفاصيل طرقاته وخدماته، أو كأنهم جميعا ذاهبون لنفس الوجهة وربما يعود ذلك لانشغال كل فرد بنفسه وتفكيره منشغل بمتى وكيف وأين هي بوابته التي سيصعد منها إلى طائرته، لكن ما علاقة كل ذلك بالوزن الزائد!

 

في السفر تبحث عمن يرافقك فيهون عليك ويعاونك لا من يضيف إليك عبئا ولعل البعض لا يعرفون قصة المثل الشهير: “وافق شنٌّ طبقة”، وكيف أن “طبقة” فهمت مقصود عبارات “شن” التي وجهها لأبيها أثناء سفرهما، فكان مما قال له: أتحملني أم أحملك؟ فرد الأب: ألا ترى كُلاً منا يركب على راحلة!، ولكن “طبقة” فهمت المغزى من حديثه وكيف أن بادئ الأحاديث في السفر كمن يحمل الآخر فيهون عليه ويطوي دربه.

في السفر تبحث عما يخفف عبئك ويسهل أمرك فتجدك تتخفف مما قد لا تحتاجه في رحلتك وإن غلا ثمنه، وتضع في أولوياتك باهتمام أخذ أبسط الأشياء معك وإن كان عود ثقاب طالما أنت بحاجة إليه، المهم في هذا ألا تفقد أمرا تحتاج إليه في سفرك وألا تأخذ وزنا لا طائل منه ولا جدوى.

نحن في السفر لا نسافر من بلد لآخر فحسب، أو عمن نحب أو إليهم، بل نسافر من أنفسنا إليها، ومن كامن ذواتنا إلى باديها والعكس، ونشعر مع كل رحلة أننا نخفف أعباء “العلائق” ويخف وهمنا بأننا من يعول أو يجول في شأن من يعول إلى اليقين بأن عناية المولى تشملنا جميعا فتغنينا وتكفينا.

المتعصب لا يملك رأيا، الآراء هي التي تملكه – الكسندر بوب

سرحت بخيالي لأبعد من ذلك ودار في ذهني أحاديث متفرقة لمن يتحدث عن الأمراء والسلاطين وتغير بعضهم مع السلطة أو حرص بعضهم الشديد على المال، ولكن بعضهم قد تغير لمجرد اقتناء سيارة أو اعتلاء منصب أو إرث حصل عليه أو نزر من المال تملكه، ربما نحن ماهرون في نقد كل شيء وأي شيء من حولنا بتحليل رجيح وبأسلوب صحيح أو من دونهما ولكننا حين ننقد أنفسنا ونفتش في خباياها، خائبون كتلميذ فاغِرٍ فاهَهُ أمام سؤال لم يفهمه فضلا عن أنه يعرف إجابته.

لا أكاد أجد في رحلتي أكثر نفعا بعد صحبة أهل الحكمة والفضل والمعرفة، شيئا كالوقوف على أبواب زوايا كوامننا، مفتاحها أسئلة بسيطة تبحث بين الكم والنوع في التعلم والعمل والتعليم، فمثلا: ما هو آخر كتاب مفيد قرأته؟ أو تدريب نافع حضرته؟ أو مهارة أتقنتها؟ أو فكرة طورتها؟ أو محتوىً بمختلف أنماطه وأشكاله قد أنتجته؟ أو خلق وسلوك حسن اتّصفت به وخلافه قد تخلّصت منه؟ وغيرها الكثير لتشمل أهدافك ورؤاك في حياتك، وإن ثمة استثمارًا فلا شيء كالاستثمار في ذات الإنسان ولكن قياس عائده وجدواه مختلف من شخص لآخر، ولعل مدى العطاء للآخرين مؤشر هام في مدى التمكن أولا والتخلص من وزن زائد في صورة الأنانية والشح واعتقاد الأحقية بأن كل ذلك بجهدك، أو يظن أنه مصدر تلك المعرفة مثل الذي قال: (إنما أوتيته على علم من عندي).

تساؤل: كم عدد الأشخاص أو نسبتهم من حولك، ممن ينطبق عليهم الوصف التالي:

“يقول فقط ما يعرف، ويعرف جيدا ماذا يقول” – محمد السقاف

فكر في مهاراتك بثلاث محاور*: كيف تطور عدد المهارات ومستواها؟ كيف تجعلها مترابطة مع الاحتياج العملي، كيف تفعلها بأفضل استخدام باختيار المهارة الأفضل وبالطريقة الأمثل مع كل احتياج؟ وتذكر دوما أن الرحلة طويلة والوصول لما تحلم به ليس مجرد أمنيات عابرة، وأنه دائما ليس الوقت متأخرا لأن تبدأ، المهم أن تبدأ فعلاً، واليوم أعيد فتح مشروع متوقف منذ ٦ سنوات ولعل رحلته تستغرق مني خمس سنوات فإن كنت سأردد: لو كنت ابتدأته منذ ذلك الوقت لكنت أنهيته منذ عام! لما ابتدأته أبدا، ولعلي أكتب عنه تدوينة بمجرد انطلاقه.

حسناً، عزيزي المسافر ها قد وصلنا للختام وأرجو أن تكون قد بدأت فعليا بالبحث عن الوزن الزائد في حياتك وفكرت في التعامل معه في رحلة يومياتك.

محمد السقاف – القاهرة