- سقاف . كوم - https://www.saqaf.com -

وتستمر الحكاية

[1]

لكل منا حكايته الخاصة به، يتمحور حوله أبطالها وشخصياتها، أحداثها ووقائعها، وتزداد مكانتهم في الحكاية بقدر ارتباطهم به وتأثيرهم عليه، عند هؤلاء ومعهم تبدأ فصول من الحكاية أو ربما تنتهي، ولكن أحيانا لا ندري متى وكيف ابتدأت؟ أو كيف ستنتهي وأين ومتى؟ ففي كل يوم جديد “تستمر الحكاية”..

مع بداية كل رحلة أحب كتابة العبارة التالية: “رحلةٌ جديدة.. وتستمر الحِكاية”. عبارة تنبئ عن انتهاء حال المقام وابتداء حال الترحال، وتوحي باستمرار القصة أو الحكاية، أو ربما مشهد أو فصل من رواية. رحلةٌ جديدة بحثا عن نتائج جديدة، حتى وإن سافرت لنفس المكان، أو سرت في الطريق ذاته، فمهما كانت الأشياء بسيطة من حولك المهم أن ترى الأمور بعين مختلفة، فكما يقول جلال الدين الرومي: “لعل أكثر الأشياء تميزا هي الأشياء البسيطة، ولكن ليست كل عين ترى”، لذلك جرب أن ترى بعين الآخرين وأن تسأل بشكل مختلف، اطرح أسئلة جديدة أو اسأل بطريقة عكسية.
أذكر ذات مرة في جلسة أسرية وُجه كلام للأبناء: تعلموا من والديكم وجيل الكبار، فكان الجواب التلقائي: وماذا لديهم لنأخذه؟ فتضايق الآباء من الإجابة مما زاد عناد الأبناء وتمسكهم بموقفهم أثناء النقاش، فسألتهم بشكل عكسي: ما الذي لدى الكبار ولا تريدون نقله لكم؟ فسمعنا عجبا! لذا فإن السؤال بطريقة عكسية ومن منظور الطرف الآخر قد يوصل للنتيجة الصحيحة، أما توجيه السؤال دوما بنفس العبارات فسيوصلنا للنتيجة التي نريد أن نسمعها، تعلم ذلك والاستمرار فيه يوصلنا أن نكون يوما من أهل الرأي كما قال أعرابي مادحا رجلا منهم: كان يفتح من الرأي أبواباً منسدة ويغسل من العار وجوهاً مسودة.

إذا كنت مثل القشة لا مبدأ لك تميلُ مع كل نسمة، فإنك لن تعدل قشة حتى ولو صرت جبلا..
جلال الدين الرومي

تدوين هذه الأفكار أو المواقف أو المشاهدات بعينيك أو في عيون الآخرين، نوع من البوح لحكايا الروح وما مر بها، خاصة وإن كان ما نكتبه بعيدا عن التنميق والشكليات، قريبا مما شعرنا به وعشناه، يعرف ذلك من يعود إلى تلك التدوينات والكتابات بعد سنوات وسنوات كيف وكأنها كانت بالأمس القريب، وكيف تبهجنا حين المقارنة بين أسلوب وطريقة تفكيرنا وانتقاء مفرداتنا وصياغة خواطرنا واليوم. لذا فإن اختيار الكلمات والمفردات الأنسب والأفضل فيما نقول ونكتب في كل مرة رياضة مهمة تحتاج لمرونة عالية ونفس طويل. وأذكر أني سئلت مرة [2]: لم تكتب؟ فأجبت: أكتب تعبيرا عن الشعور، وترتيبا للأفكار بالتلخيص والصياغة، وتعلما لشيء جديد، وفتحا لأفق بعيد، وكذلك نقلا وتوثيقا للتجربة، وأيضا وضعا لخطوات عملية.

 

تأملت رسمة لابن بطوطة يدون فيها رحلته، شحذ ذلك همتي للكتابة من جديد، واليوم تجددت همتي لمناسبة تاريخ اليوم في فصول حكايتي، فاليوم يصادف العام الثالث من انتقال والدي ووفاته بنفس اليوم وتاريخه، ودعني أخبرك يا أبي بأن مشهور الصغير سيتم بعد أسبوع عامه الأول، ودعوني أخبركم سر عنوان التدوينة “وتستمر الحكاية” فقد اقتبستها من زوجتي الحبيبة حتى بدا كأني قائلها فأردت إيضاح مصدر الفكرة وملهمتها، فشكرا لها.

أيا والدي وسيدي هذه من ضمن حكايايَ التي أود لو أحكيها لك، ومن بين أشياء كثيرة أود أن أرويها وأكثر وددت لو أنجزها فأريها لك، وأحيانا أود لو أصبح أكثر من شخص لأقوم بأعمال مختلفة في الوقت نفسه، وسرعان ما أتدارك فأطلب من الله التوفيق والعون..

محمد السقاف
مع مغيب شمس يوم السبت – 21 شوال