- سقاف . كوم - https://www.saqaf.com -

خبر ياكو – أيام في كينيا

[1]

“كاريبو karibu” اقربوا أو قرّبوا على هذه التدوينة البسيطة عن أيام جميلة في زيارتي الأولى إلى كينيا، فكرت قبل أن أكتب مليا: كم يستحق منا تدوين رحلاتنا وذكرياتها، طالما لن تقدم على شكل دليل أو مرشد سياحي، وإنما خواطر ومشاهدات وقصة، ولكن أليس الكثير من هذه القصص والمذكرات تحولت إلى كتب وأفلام ومسرحيات!

قبل أن تسافر إلى بلد جديد، تبدأ البحث والسؤال من حولك عن كل ما يهمك وأحيانا ما لا يهمك، من باب أن العلم بالشيء خير من الجهل به، فأنت لا تعرف الظروف والعواقب التي قد تواجهك في السفر، ومع الانفتاح المعلوماتي الذي نعايشه في عصرنا تقل فكرة: “السفر إلى المجهول”، ومع وفرة الشبكات التقنية اتصالا ومستخدمين أصبحنا نعرف إلى أين سنسافر وأين نذهب تحديدا.

لامو

من نيروبي [2] العاصمة طرنا إلى ممباسا [3] ، ثم سرنا سريعا إلى جزيرة لامو ، حيث وصلنا سَحرا وعبرنا بالقارب إلى شاطئها، في مشهد مهيب، عباءة الليل تغلفنا، وضوء القمر يرشدنا، ونجمات السماء تراقبنا، والصمت لسان حالنا، فجر ضجيج المحرك زوبعة تأملنا، فأغمضنا العيون وغرقنا، في رذاذ البحر المتطاير على أوجهنا، فلست أدري هل لا زلنا نسير أم قد وصلنا!

غيمات السحاب ، لامو [4]

شعرتُ في هذه الأجواء وكأن الطبيعة التي لم تعبث بها يد الإنسان أشبه بمرآة، وبأحوال الفرح والحزن سريعا ما تبدو اضحة أمامها، متى دققت النظر وإلا كانت كمرآة صافية وأنت تقف في اتجاه خاطئ، أو تقف أمامها مباشرة ولكنها مغبرة فلا تستفيد. وإذا شئتَ قلت أنها في ترابطها وتمازجها متناغمة فسرعان ما يظهر “نشاز” تصرفاتنا متى أصغينا السمع قليلا!

O' Africa كرة قدم [5]

قررت أن يكون تركيز هذه الرحلة الأكبر للملاحظة والتدقيق على ذاتي، وفعلا كانت أول نتيجة مفاجأة لي، فقد بدرت كلمة في وقت كنت فيه سعيدا جدا، لمتُ نفسي عليها، ودونت أول درسٍ: أن أنتبه لكلماتي في شدة الفرح والحزن. أشياءُ بسيطة لكنها معقدة، فجمال البساطة في بساطة الجماليات، ودائما ما أقول: أعقدُ الأشياء أبسطها.

مامبروي

هنا أُنجبت الخواطر، منها ما نشرته مثل: خاطرة “ألا يا بحر [6]“، منذ أول ليلة وصلنا فيها، لم يكن ذلك لأنا أقمنا على ساحل البحر فحسب، ولكن هدير موج المحيط خاطبني عاليا مع سكون الليل، ومع الصباح كتبت خاطرتان: شمسُ الصباح [7] ، و شمسُ المحبة [8]. فالأولى كانت فجرا بعد حوار علمي ماتع، هيج الشجن نور الصبح حين انجلى فالتقى بنور المعرفة..

شمس المعرفة [9]

شمسُ الصباح تلوح.. فتنير الأفق للمَسير.. حتى تغيب..
وشمسُ المعرفة تبوح.. بسر العلم للمُستنير.. ولا تغيب

والخويطرة الثانية كانت عن شمس المحبة وإشراقة نورها:

أشرقت شمس المحبة [10]

أشرقت شمس المحبة في سماء العاشق..
قطرات البحر.. ذرات الرمل.. نسمات الهواء.. ذابت وتلاشت..
وتستمرُّ الحكاية ..

السفر يُسفر عما لم يكن باديا من كوامن الأنفس في وقت الحل والاستقرار، ولكن لماذا ننظر -غالبا- في اتجاه الآخرين، وننتظر ماذا سيُسفر لنا السفر عنهم، وننسى أنفسنا! تعلمت في هذه الرحلة أيضا: الفرق بين سوء النية وسوء الطبع.

بحر ماليندي [11]

ماليندي ، نيالي

سأنتقل من سكون الطبيعة إلى ديناميكة الحياة،  وسأذكر تجربة مستفادة عن فكرة في الإعداد والقيادة، لتجهيز برنامج تدريبي في وقت قياسي، وسأجعلها على شكل نقاط، ما هي النقطة وما تم أمامها:

من الجميل في هذه الحالة أن تتقمص شخصية “NF” كما في أنماط مايرز MBTI [12] الذي يقود الأشياء دون أن يقود، أي لا يكون في الصورة الأمامية، فيبقى موجها ومراقبا حتى تتحقق الأهداف المنشودة

مطعم جزيرة روبنسون ، مالندي [13]

هاكونا ماتاتا

في اللغة السواحيلية أكثر من 4 آلاف كلمة أصلها من اللغة العربية، مثلا: “تفضليلي – تفضل” و “بيلبيلي – فلفل” 🙂 ولكن ما لفت انتباهي، كلمات سواحيلية إفريقية تستخدم في مصر ولا يعرفون أصل تسميتها أو مصدر الكلمة، على كل “هاكونا متاتا hakuna matata” أي لا مشكلة..

جمبري [14]

لا شيء أعز للبلاد من أن تأكل ما تزرع، وتسكن ما تبني، وتلبس ما تنسج، ولا أجمل من أن يكون ثمرها خاليا من الكيماويات، تشتم فيه رائحة التربة وعبقها، أو أن تتذوق أكلا شهيا ولحما طريا لا أكل أقرب لمصنوعات الزينة المطاطية.
جمال الطبيعة الساحر وخيرات كينيا الحيوانية والمعدنية جعلها على مدى السنين وجهة للاستعمار، واليوم هناك وجه جديد لذلك بتملك مساحات شاسعة من الأراضي في المناطق السياحية والزراعية.

شاي كيني Kenyan Tea [15]

شاي أم نمر!!

من الأشياء المميزة في كينيا بالنسبة لي هو الشاي الكيني، كما في الصورة “سفاري” و “كيبتاقيشي”، وسأحكي لكم طرفة حصلت في هذه الرحلة مع الشاي الكيني، فصديقنا “أمير” أخذ معه 10 كيلو من الشاي الكيني إلى مصر، وكلفه الكيلو الواحد 30 دولار أمريكي كوزن زائد، أي تقريبا بتكلفة 210 جنيه للكيلو إجمالا، وبعد الفصال والحمل وجده في “المترو” بـ 30 جنيه 🙂 ربما لهذا يقولون: “اسأل مجرب ولا تسأل خبير”. ربما أغرب من هذه الطرفة حين تسأل أحدهم: ماذا تريد من كينيا؟ فيقول لك: شاي كيني. وحين تسأل إحداهن فتقول: نمرٌ صغير!!

شجرة جوز الهند [16]

 كانوا يكتبون في القصص عمن يترك القرية أو البادية ويصل إلى المدينة: “فبهرته أضواء المدينة”، وشخصيا أجده تعبيرا منمقا بديلا عن: “فحرمته أضواء المدينة جمال النجوم، وهيبة الليل، وأبعدته ضوضاء المدينة عن السكون والإنصات والتأمل”. وها نحن في عصرنا نهرب إلى هذا السكون ونبحث عن الجمال الطبيعي ونسافر من أجله، فمن يدري كيف ستكون الأجيال القادمة.

محمد السقاف
فبراير. 2012