- سقاف . كوم - https://www.saqaf.com -

مصداقية الانترنت – الإعلام الجديد

[1]

الإعلام الجديد، مصطلح كثيرا ما نسمعه، بين أناس يتحدثون عنه وكأنه غائب غريب، أو خيال يعرفونه ولا يفهمونه، وبين آخرين يرونه موجودا في جميع أنشطتهم اليومية حتى أكلهم وشربهم، هذا الإعلام الجديد ثورة في ذاته فلسفة وفكرا قبل أن يكون سببا في ثورات أخرى، وللحديث عن مصطلح ما يلزمنا معرفة فلسفته ومبادئه ثم نظامه وقانونه وبعد ذلك تبرز أدبياته وإبداعاته، فإلى عالم الإعلام الجديد.

الإعلام الجديد “الهوية”

1. المادة الإعلامية Media :

والحديث هنا من حيث إخراجها مضمونا وقالبا وتطورها بشكل متسارع وإبداعي، شاملة عناصر المادة الإعلامية التقليدية: من صورة ثابتة أو متحركة، وكلمة مسموعة أو مكتوبة. علما أن الإعلام الجديد يسير باتجاه المادة المرئية كونها أكثر تعبيرا وملامسة للرسالة المراد إيصالها. كيف لا! والصورة تعبر عن ألف كلمة، والثانية المرئية تحوي خمسا وعشرين صورة ثابتة، ما يجعلها دون شك أكثر استدعاء للتفاعلية والديناميكية.

2. الديناميكية/ التفاعيلة Dynamic / Interactive :

مع بدايات فكرة الإعلام الجديد 1984 الذي جعل تقنيات الاتصال وسيلة فاعلة لتواصل الفرد مع الفرد، والفرد مع المعلومة، والذي تبلور ليغير جذريا صورة التواصل ذات الاتجاه الواحد (فرد – مجموعة) إلى اتجاه تفاعلي (مجموعة – مجموعة)، وفي العام 2002م وضح فين كروسبي أن مسارات الإعلام الجديد أخذت ثلاثة أشكال: “إعلام تواصلي شخصي (فرد – فرد)، وسيلة إعلامية (فرد – مجموعة)، والشكل المميز لها (مجموعة – ممجموعة)”. وبرز بعد ذلك مفهومٌ وشكلٌ آخر لهذا التواصل (مجموعة – فرد)، والعامل الفاعل لذلك كله: تقنية التواصل.

3. التقنية Technology :

وسائل التواصل التقنية كالحاسوب والهواتف الذكية و IPad -ابتكار العام 2010- والأجهزة التي تبعت مساره، جميعها دعمت هذا التواصل الإنساني الإعلامي ويسرته، وكلما زاد تطور هذه التقنية في كفاءتها وعرضها لمحتوى الإعلام الجديد ونقلها التفاعل وردود الفعل له، إضافة لاتساع شريحة مستخدميها، كلما كانت أكثر تأثيرا على المجتمع، وأكثر تواكبا مع رغباته، وأسرع تجاوبا مع أحداثه، وأقوى ارتباطا به ولكن كل ذا سيكون دون معنى من دون “الانترنت”.

4. الانترنت Internet :

العنكبوت أصبح إخطبوطاً، مرتبطا ومتصلا بالأشياء والأحداث بل والأشخاص، فحياتك متصلا بالانترنت “OnlLine [2]” أهي مثل حياتك منفصلا عنه “Offline”، بل دعونا نذهب أبعد من ذلك: يعتقد البعض أن من لا وجود له على الانترنت في السنوات العشر القادمة فسيكون غير موجودا حينها وإن كان يعيش على سطح الأرض لا باطنها -وليس بأعجب ممن يبحث عن الكرة السحرية بين يديك حين تخبره عن تحليل وتوقع مستقبلي في عالم الانترنت، به حين يأتي مجددا بعد حدوث ذلك باحثا عن العصا السحرية- وقدرة الله فوق كل تقدير وتدبير.
وكي لا نستبق الأحداث فلنقم بتجربة بسيطة: بأن نفكر في مدى وتأثير ارتباط الانترنت والتقنية بنا من أجهزة دون استثناء، وكيف سيكون الأمر متى أصبح خيالنا المستقبلي واقعا نعيشه.

5. حرية الرأي والنشر Democracy :

هذه الحرية تشمل حرية التعبير وإنشاء المحتوى ونشره وتسويقه واستخداماته، دون قيود قانونية أو تعقيدات إدارية أو أنظمة مؤسساتية، حرية في مشاركة فكرة أو حدث أو معلومة، يختلف اتجاهها تبعا لفحوى محتواها من حرية الخبر والنقد والأفكار الإبداعية والتفاعل مع المجتمع أو تفعيل المجتمع تجاه أمر ما.
هذه الحرية قيمة ضمن منظومة قيم أخرى تتكامل مع بعضها، نادت بها الحضارة الإسلامية منذ بدأها في كل مجالات الحياة، “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا” الفاروق عمر رضي الله عنه.
إن من حرية العدالة وعدالة الحرية أن يكون اعتبارها وهمها تحقيق العدل والانتصار للمظلوم [“لقد شهدت حلفا في دار عبدالله بن جدعان، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيتُ به في الإسلام لأجبت“، الذي جعل ما بين المظلوم وبين نصره إلا أن ينادي يا آل حلف الفضول، فتتبادره السيوف ثم لا تنحجز عنه حتى تستخرج له حقه ممن كان] – العود الهندي بتصرف.
هذه الحرية لا تسمح لنا بالتعدي أو الإساءة بحجة ممارسة الحرية، ولنا في واقعة الرسوم الساخرة من شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خير شاهد على ذلك، فالحرية قيمة تابعة لقيمة عليا على رأس هرم الأخلاقيات والقيم: ألا وهي العدل، فالحرية نسبية والعدالة مطلقة.

6. المستخدم User :

 اجتماع التقنية والمساحة للتعبير والفرصة لإيصال الرأي عوامل أساسية تظافرت لتعزز من المفهوم الجديد في عالم الإعلام (المستخدم ينشأ المحتوى user generated content [3])، في العام 2005 بلغ هذا المفهوم شكله المتكامل ليشمل الأخبار والإشاعات والتجارب الشخصية والخبرات والحلول في مختلف مجالات الحياة، وضمن وسائل متعددة كالتدوين، والتدوين المصغر، والمرئيات الرقمية، والمنتديات، ومصادر المعلومات المفتوحة، ومواقع الأسئلة العامة، والشبكات الاجتماعية، وحتى مواقع التسريبات Wiki. فالفرد لم يعد متلقيا عاديا بل له الحق في التعليق والتقييم والنقد، ولا مجرد كاتب أو صاحب فكرة بل شخص مؤثر برأيه في المجتمع ووحدة إنتاج في ذاته -كلٌ بحسب ما يقدمه ومستواه-.

الإعلام الجديد “انعكاسات”

 

الإعلام الجديد “إطار أم مسار”

 

الإعلام الجديد “آفاق وأبعاد”

الإعلام الجديد مساحة لإبراز المواهب، وحافز للإبداع، وهنا إيجابية عالية سيما وأن العقل العربي لديه استجابة عالية للإبداع والابتكار عند الحاجة و”الحاجة أم الاختراع”، دون الالتفات لتقييم مسبق تبعا للعمر مثلا بل للمنتوج الذي يقدمه المستخدم عبر الإعلام الجديد، وأعجبتني عبارة لأرسطو يقول فيها: بالغريزة يتعلق الأدب لا بتقادم الميلاد.

الإعلام الجديد فرصة كبيرة لترتيب الأوراق والانطلاق من حيث ابتكر الآخرون، دعما وتطويرا للمورد البشري “الفرد” فهو من يغذي المحتوى العربي، وفرصة للتنافسية التكاملية في مختلف المجالات، فالانعكاسات السابقة هي أمثلة محفزة لصاحب كل فن ومجال في انعكاسات الإعلام الجديد على مجاله، وأن نفكر ونخطط للجيل القادم.

الإعلام الجديد ليس وردٌ كله، فهو عالم افتراضي يعكس العالم الحقيقي، وهنا تأتي الإشارة إلى مصداقية الإعلام الجديد في كونه أقرب للناس وأكثر قبولا وتفاعلا ومصداقية، فالفرد أقرب لفرد مثله، ولأن ردود الفعل تصل إلى الفرد مباشرة، مما يدفعه لمزيد من الدقة والتحري والبحث، خاصة في الأخبار بشكل موضوعي دون دوافع خفية أيا كانت، فكما يقولون: “إنما آفة الأخبار رواتها”.
مصداقية الإعلام الجديد جلية في تأثيره المباشر وغير المباشر في حياتنا وتأثيرنا فيه، الذي أصبح واقعا ملموسا، عبر وسائله من مواقع تفاعلية وإعلام اجتماعي Social Media، التي وضحت فعليا دور الإعلام الجديد وتأثيره، لترصد ما يقال تجاه أمر أو قضية ما، ولكن هل تعي هذه الوسائل أن “الصمت موقف”.

الإعلام الجديد دافع كبير للتعلم والتطوير في الثقافة العامة والتخصص، وربط الصنعة بالصنعة، وتحويل الهواية للاحتراف بإعطائها الوقت الكافي لها، وأن تكون ضمن فريق عمل محترف، وأن يكون للهواية احتياج فعلي في سوق العمل، وأجدني كلما تمعنت في مرآة ذاتي وجدت ضعفا بحاجة لأن يقوى، والأعجب حين تجعل مما حولك مرآة ترى بها عبر مرآتك مالم تكن تراه إن أحسنت توجيهها، وهنا يكمن جمال البحث عن الكمال، والكمالُ مطلبٌ عزيز، وما ذلك على الله بعزيز.

يتبع: مصداقية الانترنت – الإعلام الاجتماعي والمواقع التفاعلية

* مصادر:
صورة الكاريكاتير: صحيفة عكاظ السعودية، بقية الصور: مرخصة لسقاف كوم
الموسوعة الحرة ويكيبيديا:
New Media [9]
اليوتيوب: محاضرة الإعلام الجديد د. عمار بكار [10]