سأقدم استقالتي

الكاتب: محمد السقاف | يوم: 24 فبراير 2013 | التصنيف: خطوات | 58٬654 قراءة | طباعة

منذ أكثر من عام وضعت عنوان التدوينة ورؤوس أقلامها، ثم انصرفت الهمة عن إتمام الكتابة وقلت أدعها حتى حين، وخلال الأسابيع الماضية زاحمني ولاحقني العنوان مجددا، حتى منعني من كتابة تدوينات أخرى، ربما لذلك علاقة بقرب اكتمال المرحلة الثانية من حياتي العملية، فما حكاية المقالة!

شجرة “قوقل”

أعوذ بالله من همةٍ تقف، وعقلٍ يقنع – ابن سبعين

في  إحدى الدورات التدريبية مطلع 2008م عرضت مقطعا مرئيا أنتجته قوقل عن نمط الحياة في بيئة عملها بعد أن صارت الشركة الأولى حينها، ودون شك حوى العرض الكثير من الميزات والمحفزات من خدمات وترفيه وعناية، ربما إن علمت الشركة التي طلبت التدريب هذا العرض لألغت التعاقد 🙂 وخاصة أن  التعليق التلقائي من المتدربين بعد مشاهدة العرض: “كيف أقدم لديهم؟”، “سأقدم استقالتي”.

ولكن التعقيب على تعليقات المتدربين والنقاش ابتدأ بعدد من الأسئلة:

  • لماذا ترغبون في العمل لدى قوقل؟
  • لماذا تعتقدون أنهم سيختاروكم من بين مئات وآلاف تقدموا إليهم مثلكم؟
  • ما هي برأيكم الصفات والمواصفات التي يفترض أن تكون في موظف في هذا المكان؟ وهنا مربط الفرس

السؤال الأخير تحديدا يبتدأ بعصف ذهني لكل المواصفات ثم ترتيبها وتصنيفها، ثم نرسم في النصف الأيمن من الورقة شجرة لها فروع وأوراق تحوي كل منها واحدة من هذه الصفات وهي التي أسميتها: “شجرة قوقل”، ثم يرسم كل متدرب في الجزء الأيسر شجرته الخاصة به للصفات المتوافقة أو الموجودة فيه بناء على تقييمه لنفسه ، ومن نظرة أولية تجد الفرق جليا.

أذكر أن الذي دفعني لابتكار هذا التمرين هو نسبة التذمر من بيئة العمل في عدد من الشركات الكبرى لدى المتدربين، والشعور المتكرر بالظلم وعدم التقدير، فكان الهدف تركيز الهمة للتطوير الذاتي والعمل على التحسين، وبدء التعود على نقد الذات وتقييمها، فكما يقولون: “العاقل خصيم نفسه“.

لماذا تستقيل؟

وقال لي.. في المخاطرة جزءُ من النجاة – النّفري

سألت عددا من الأصدقاء السؤال ذاته، فكانت الإجابات متنوعة ومختلفة وأحيانا متضاربة، إشارة إلى أن عوامل اتخاذ القرار مختلفة تبعا للحاجات والرغبات أحيانا وللدوافع والمقاصد من الالتحاق بالعمل أحيانا أخرى، واختلاف نظرة الأشخاص إلى نفس الشيء. ففي المقابلات الشخصية للتوظيف عادة ما يكون هناك سؤال تقليدي : لماذا تركت عملك السابق؟ ويهمل فيها سؤال أهم: ما الذي قد يجعلك تترك العمل معنا؟ وبعبارات أخرى تترجم السؤال: ما الذي تبحث عنه في جهة العمل الجديدة؟

قد يكون باحثا عن بيئة إبداعية، أو يرضى ببيئة عمل صحية لا تركن إلى الواسطة والمحسوبية، أو باحثا عن التحسين المالي، أو ربما عن الخبرة وصقل الموهبة، أو لمكان أو طبيعة عمل تتوافق مع شخصيته وطموحه وقيمه. وهناك من يبحث عن التطوير والتعليم المستمر، وآخر يبحث عن التحديات والتغييرات السريعة لمواكبة تطورات سوق العمل والتقنيات الحديثة، وهناك من يهمه مجرد العمل أو مجرد اسم جهة العمل.

أو ربما يهتم للصفات القيادية في نفس الجهة أو على مستوى الدولة نفسها، سيما إن وجدت قائدا حقيقيا تعمل معه، وإليك علامتان بسيطتان كمؤشر للقائد الحقيقي:

  • القائد الحقيقي: من يؤمن فريقه بأنهم قادرون على تحقيق أحلامهم من خلاله
  • القائد الحقيقي: لا يوجد أتباعا، بل مزيدا من القادة. “توم بيترز”

وهناك دراسة لمركز SHL في أغسطس 2012 عن ترتيب الدول التي لديها قدرات وكفاءات قيادية في الوقت الراهن ومستقبلا، عربيا حلّت دولة الإمارات الترتيب 21 حاليا و 12 مستقبلا، بينما قفزت أم البلاد “مصر” من كونها خارج القائمة في الوقت الراهن إلى الترتيب 3 مستقبلا بعد تركيا وتسبقها المكسيك. المصدر

لذلك قبل أن تتقدم إلى وظيفة فكر مليا ماذا سيجعلك تستقيل؟ وإذا أردت الاستقالة يوما فتذكر هل تحققت أهدافك التي وضعتها حين التحقت بعملك الحالي، وهل انتقالك لعمل آخر سيعينك على تحقيقها، أو ربما تبدّت لك أهداف وطموحات جديدة؟

الموظف والوظيفة

علامة الظفر بالأمور المستصعبة: المحافظة على الصبر، وملازمة الطلب، وكتمان السر – بزرجهمر

حين تقول “موظف” يتبادر إلى الذهن عدد من المفردات التي التصقت بالتسمية، ولعل ذلك نتيجة مشاهد حقيقية رأيناها في حياتنا ومن حولنا، ولعل انحدار اللغة وتدهورها أودى بتدهور الفكر والنظر للأمور، فمثلا في اللغة نقول: وظّفتُ المال => أي استثمرته فاستفدت من قيمته بوضعه في الاحتياج الصحيح. ونقول: وظّف فلانُ موهبته وخبرته => أي انتفع منها ووجهها في تحقيق هدفه ومهمته.
فالوظيفة إذاً هي المساحة التي يستمثر فيها أحدهم إمكانات وخبرات شخص آخر ليحقق غرضه من الاستثمار بمنفعة متبادلة.

ومن اختلاف مستويات النظر لمفهوم “الوظيفة” تجد أشخاصا لديهم خبرة عشر سنوات في عمل ما، ولكنها لا تساوي سنة واحدة من حيث قدر توظيف المهارات والإمكانات لإنجاز العمل، فالخبرة ليست بعدد السنوات التي يقضيها شخص في وظيفة ولا بعدد الساعات التي يقضيها يوميا، ماذا إن علم البعض عن نتائج استطلاع رأي أجراه موقع لينكدإن Linkedin على أكثر من 7,000 محترف مهني من 18 دولة حول الأدوات والنقاط المتوقع انقراضها خلال الـ 5 أعوام القادمة في سوق العمل، فكان: توقع انقراض مبدأ ساعات العمل النمطي النتيجة 4 وبنسبة 57%. المصدر

أرضٌ واسعة..

تلكَ الأرضُ الكريمة..
تأخذ الفضلات،
فتزهر جمالاً وحياة..
حاول.. أن تتعلم من الأرض.
جلال الدين الرومي

لكل أرض تنزل بها تضاريسها الخاصة بها، فما تضاريس أرضك ومعالمها، وما وسعها ومساحتها، أذكر أني دونت معلومة ذات مرة عبر الأثير من د. محمد راتب النابلسي: أن نجم قلب العقرب يتسع للشمس والأرض والمسافة بينهما، (هذا خلق الله). أهـ.. ولكن السعة الأكبر في ذاتك ألا وهي “سعة أخلاقك”، وفي ذلك يقول الشاعر :
لعمركَ ما ضاقت بلادٌ بأهلها ** ولكنَّ أخلاق الرجال تضيقُ
فتنبه قبل أن تراقب أخلاق الآخرين وضيق تعاملاتهم راقب تعاملات نفسك معك فلربما ضاقت روحك بأفعالها قبل أن تضيق من الآخرين.

تأمل ماذا بذرت لتحصد، واحرص في حياتك العملية على تعلم الصنعة وتعلم ربط الصنعة بأختها، وتمرّس على حسن المواكبة وسرعة التعلم والتركيز والتطوير المستمر، كن ذا همة وطموح و اجعل ذلك كله مصحوبا بالإتقان وجمِّل بالإحسان، واعمل ضمن فريق ما استطعت، وجالس وخالط أهل الخبرة والحكمة، وإذا ظفرت بمن تتلمذ على يده وتلازمه فافعل.
واحذر من أن تغتر يوما بذاتك وصنيعك، (وما بكم من نعمة فمن الله)، واحذر مخالطة من يخذل همتك أو يصرفها إلى الكسل والملل والإحباط، أو من يومه كأمسه لا جديد مفيد في يومه وليلته، وجانب معاشرة من  أسميهم “النباتات المتسلقة”، كي لا تكون مصعدا يوما ما.

فكر لماذا تعمل؟ متى تقبل ومتى تترك؟ و إن كنت أجدني خلال هذه الفترة بين الفكرة وكتابة التدوينة، قد وصلت إلى عدد من النقاط والقناعات، ووقفت على عدد من الاكتشافات من عيوب ونقاط في الذات.
وختاما أرجو أن يكون في هذه الكلمات البسيطة ما يوافق حاجة باحث أو متأمل فينتفع منها وبها، ولتكن أرضك واسعة وآفاقك شاسعة، (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون).

محمد السقاف

رأيت امرأة من العرب وقفت على قطعة لها فيها زرع يسير قد أتلفه البرد، فنظرت إلى الزرع ثم إلى السماء فقالت: اصنع ما شئت فرزقي عليك – الأصمعي

صورة المقابلة الوظيفية : المصدر

الكاتب: محمد السقاف | يوم: 24 فبراير 2013 | التصنيف: خطوات | 58٬654 قراءة | طباعة

التعليقات:

اترك تعليقاً | عدد التعليقات: (35)

  1. ماشاء الله .. دومن مبدع أخوي محمد .. يعطيك العافية و سلمت يمناك

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  2. يقول علوي الحداد:

    وكم طرفة كم تحفة كم عطية ** به دونها بسطي وروحي وراحتي
    أطالع أمر القبضتين فقبضة ال ** يمين وأخرى لليمين الأخيرة

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  3. يقول nehad:

    في انتظار الجزء الثاني 🙂 الموضوع شيق و الأسئلة في البداية و النهاية تكفي الإجابة عنها لعمل سلسلة تدوينات 🙂

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • حقيقة لم يخطر ببالي حينها كتابة جزء ثان للتدوينة والاكتفاء بأن تكون لهذه الأسئلة سلسلة من الوقفات في حياة كل منا. ولكن من يدري 🙂
      شكرا لمرورك

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  4. يقول khalafalla:

    سعدت ايما سعادة وانا التهم الحروف واقفز من كلمة لاخري تشدني اليها فاجد نفسي شغوفة لتختزن المقال . شكرا لك وانت تموسق الكلمات تدعمها بالحجة والبرهان والدليل . ظل السؤال يتردد في داخلي لماذا استقيل ؟

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  5. يقول bassam:

    ماشاء الله .. دومن مبدع أخوي محمد

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  6. يقول Khalid Al -Qdeeb:

    الإبداع الذي تنثره أخي محمد بين الحين والآخر يجعلني دائماً ما أتوقف عنده ، مُتأملاً حروفه التي تنبض بالبساطة والسهولة وهي تنساب حرفاً .. حرفاً .
    فلك الشكر والتقدير والمحبة والدعاء بالغيب

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  7. شكرا أخي محمد على هذا الابداع والله يوفقك يا رب

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  8. يقول amar:

    مبدع يا أخوي محمد .
    السؤال يتردد لماذا استقيل …………!!!
    والله يوفقك يا رب

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  9. يقول amar:

    أخوك عمار سقاف من ( القدس فلسطين)

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  10. يقول هالة محمد:

    بارك الله في جهدكم الكريم

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  11. يقول نورالدين الحارثي:

    تدوينه جميلة و متوازنه و محفزة للفكر..

    أشكرك

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  12. يقول جعفر الكثيري:

    أخي محمد
    كتبت فأجدت
    ولخصت فأبدعت
    رآق لي كثيرا ما كتب هنا وأقتنعت يقينا بأنها عصارة فكر شآمخ يخط دررا
    بوركت أخي بأنتضار المزيد دوما

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  13. يقول FANTASTIC TEAM:

    مقدمة رائعه وتحليل منطقي عجبتني فكرة الشجره …وشركة جوجل اكثر شركة من وجهة نظري تهتم بموظفيها ووجدت عندهم قدرة عجيبه في كيفية اختيار الموظف فعلا …رائعين

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  14. يقول عبد الله سليم:

    اخي محمد
    حقيقة تدوينه رائعه صادره من مبدع كما عهدناك بافكارك الواسعه الهادفه المتنوعه
    ربنا يحفظكم ويسلمكم
    ان شاء الله اللقاء قريب

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  15. ابن عمي
    يشرفنا ان يكون احد اخواننا بهذا الفكر المنفرد . حقا اعجبت بمقالك واستفذت منه كثيرا ومن اليوم نا متابع كل مقالاتك وجزاك الله خير

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  16. رائع

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • يقول http://www./:

      121Nossa o mavala e incrivel.. começei a usar nao faz nem uma semana e ja sinto a diferença, sem contar que minhas unhas estam crecendo dia a dia.. coisa que nao acontecia antes tao rapido assim.ADOREI e recomento

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • Yay for Lula's Brew! Even though I know her story, I'm still impressed by her journey. You "Early Adopters" of technology are inspirations to the rest of us who are still trying to find the on/off button…;-)

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • isabel r s lobato disse:MUITO BOA ESTA NOTÍCIATENHO UM TERRENO NO BALNEÁRIO ATLANTIDA E GRAÇAS A DEUA AGORA O PROGRESSO ESTÁ CHEGANDO LÁ.PARABÉNS PELA DECISÃO!ISABEL(41) 9168-2912

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • · Yes, I did – darn WordPress trying to be helpful ;)On my forum, I needed to add it or it threw things out of whack. May be just my forum though.Thanks again 🙂

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • يقول http://www./:

      Phamerski… no, niestety. Mnie też zÄ™by cierpnÄ… na widok czegoÅ› takiego, poza tym zawsze mam obawy, że religijność „folklorystyczna” gubi gdzieÅ› zaupeÅ‚nie istotÄ™ Boga (w koÅ„cu bytu niematerialnego), a czci farbowany gips i caÅ‚y przemysÅ‚ wytwórczy kiczu.

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • يقول http://www./:

      Linda: I've been thinking about you a lot during the past few days. Words just can't convey the thoughts. Our heat and extreme drought in June and July were horrid, so I empathize with you. Please take care and stay cool. This certainly has been a challenging summer. Again words seem inadequate. Hugs and prayers.

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • يقول http://www./:

      Mickey Kaus has it wrong. Families with children of all races are leaving California because it’s a cesspit. Mexicans don’t want to commute three hours a day and pay 500k for a 2 bedroom tract house anymore than anyone else does. In lots of CA school districts, most kids are Mexicans, so it would be easy to blame their disappearance on immigration enforcement, but those Mexican kids are reappearing outside of California. They’re killing the North Carolina and Virginia schools, for example.

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • this is very useful! My husband and I are expecting our first born any day now and we are doing a unassisted home birth (the risks have been assessed) so he will be the one catching the baby. Lol

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

    • Three trips are planned this summer – all family reunions. The first one is family reunion in New York. The second one is in Huntsville and I hope to catch up with Rae Barthel. The finally one is in Kentucky. Really looking forward to New York. Haven’t been in about six years now. Janet

      تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  17. بارك الله في جهدكم الكريم

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

أكتب تعليق

CommentLuv badge

سقاف كوم - حيث لا سقف للمعرفة! | جميع الحقوق محفوظة لموقع سقاف كوم | اتصل بنا لأفضل وأسرع تصفح لمدونة سقاف كوم استعمل فايرفوكس