- سقاف . كوم - http://www.saqaf.com -

آن الأوان

[1]

يقول الشافعي: إذا هبّت رياحك فاغتنمها.. لكن لعله من الأفضل لمن لا يدري ماذا يريد وإلى أين يؤمل أن يكون ألا تهب ريحه فتزيده بعدا وتيها، على أن هناك من يستوي لديه الأمران فلا يجد للأشياء من حوله إحساسها وعطرها ومذاقها، و كنت اخترت أن يكون عنوان التدوينة: “لا طعم، لا رائحة، لا شعور”..  ثم ارتأيت أنه من المعيب أن أقدم في الدورات التدريبية أمراً وأعمل نقيضه، فنفضت غباري ولملمت أوراقي ليصبح العنوان: آن الأوان..

يقولون أن الحياة النمطية “الروتين” قاتلة، أيا كانت رفاهيتها أو مشقتها فمتى انتظمت وتيرتها ابتدأ تأثيرها العكسي، لهذا نحن نبحث -عادة- عن التغيير والأمر المثير، وحيث أن هذه تدوينة انتقالية سأحكي كيف بقيت نحو عشرة أيام بين الحمى والرشح، فيوما أشعر بتحسن ونشاط وسرعان ما أعود لانتكاسة أسوأ من قبل، في هذه الفترى فعلا لم أكن أجد مذاق الطعام، ولا شم الروائح، ولا إدراكاً لفرق الأوقات وحركة عقارب الساعة، بل وكما قال أحد الأصدقاء -الذي أصابه نفس العَرَض-: أشعر أحيانا بالبلادة وعدم القدرة على التفكير ، ربما لأن عقلي ذاب من الحمى وارتفاع الحرارة 🙂

أشياء كثيرة تلزمنا الصمت، تسارع الأحداث الشديد وكثرة الأخبار وتنوع مصادرها، إضافة لكثرة من يتكلمون في أي شي وكل شيء، منهم من يبني كلامه ورأيه على كلام الناس الذي قد يكون مبنيا على كلام آخرين فما أوهنه، وأغرب منه التنازل عن المبادئ وتغيير المواقف تبعا للموج مدا وجزرا.
وفي المقابل هناك أشياء أكثر تلزمنا الحديث والكتابة، أمانة العلم والمعرفة، نقلها للباحث عنها ومحتاجها، تدوين ذكرى جميلة ومشاهد من الحياة لحبيب وقريب، ولا ننسى فرص التواصل وأدواته التي يسرها المولى في زماننا، لكن علينا أن ندرك أن هذا الكم الكبير من الانفتاح الثقافي هو فرصة فريدة لذوي المعرفة لعرض ما لديهم، وإن كنتُ أجد ما علمته ليس سوى قطرة في بحار العلم والمعرفة، فكون هذه القطرة من تيسير الله وكرمه قد غمرني، و (ليُنفِق كل ذي سَعةٍ من سَعته).

من لا يدري إلى أين يسير كل الطرق بالنسبة إليه ليست سوى متاهة – محمد السقاف

آن الأوان.. بالأمس واليوم وغدا وفي كل وقت يجدد الإنسان عزيمته ويشحذ همته، ولعل معرفة مقصودنا في الحياة يعيد لنا المذاق والشم والإحساس، ويجعل الأوان قد آن لاغتنام الرياح متى هبت بالإحسان كما أتم الشافعي البيت السابق فقال:

إذا هبت رياحك فاغتنمها  **   فعُقبى كل خافقةٍ سكونُ

ولا تغفل عن الإحسان فيها  **  فلا تدري متى السكونُ يكونُ

محمد السقاف