- سقاف . كوم - http://www.saqaf.com -

من أسرار العرب.. اللغة العربية 1

[1]

أكتب اليوم عن معشوقتي، فاتنتي وأسُّ صبابتي، -اللغة العربية- من كلما بدى لي من جمالها معنى تمكنت في مهجتي، وكلما شاد من أبجدها مبنى زادت بها ولعتي، وأضرمت بي نارَ شوقٍ جذوتُها لهفتي، ولإن كانت أنواع النار لدى العرب أربعة عشر نوعا وللمحبة ستون اسما، فاضرب أولاء بتلك لعلك تدرك مقدار لوعتي.

ما اسمك ؟

 

الاسم وسمٌ وبابُ فأل لدى العرب، يبقى أثره في المسمى وما حوله، وقد كان العرب قبل الإسلام يسمون أبناءهم صخرا وحربا وكلبا وذئبا كونها أسماء جزلة، ومواليهم نجيحا وياقوتا كونها أسماء سلسة، فتلك لأعدائهم وهذه لهم، وبعد الإسلام حرص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على استبدال الأسماء الذميمة إلى أسماء ذات فأل حسن يستبشرون بها.

والتسمية في اللغة العربية ليست مجرد اسم عابر يطلق دون معنى، بل تشير لأبرز خصلة أو صفة في المسمى وما يعبر عن المقصود منه ومضمونه، لا مجرد تعبير سطحي عن ظاهره، فمثلا: “الدراجة في العربية تشير إلى وظيفتها وعملها وحركتها. أما في الفرنسية فإن bicyclette (ذات الدولابين) تشير إلى أجزائها وتركيبها وحالتها الساكنة. ومثل ذلك السيارة التي تشير تسميتها إلى عملها بينما في الفرنسية كلمة automobile تعني المتحرك بنفسه” [اللغة العربية ومكانتها بين اللغـات، د. فرحـان السليم].

وقد تتعدد الأسماء للشيء نفسه فالأسد يسمى هَيْصما لأنه يهصم فريسته أي يكسرها، أو ضَيْغما لأنه يعض بلا نهش، وفي اللغة العربية بلغت أسماء الأسد نحو 600 اسم، وألف الحافظ السيوطي في ذلك: “فطام اللسد في أسماء الأسد” ، والنار عند العرب أربعة عشر ناراً، منها نار الأسد كانوا يوقدونها إذا خافوه لأنه إذا رآها حدق إليها وتأملها، ونار السلامة: توقد للقادم من سفره سالماً غانماً.
وللمحبة كما في لسان العرب ستين اسما أوردها ابن القيم في “روضة المحبين ونزهة المشتاقين” منها: المحبة، والعلاقة، والهوى، والصبوة، والصبابة، والشغف، والمقة، والوجد، والكلف، والتتيم، والعشق. وإن كنا ندعو شخصا نحبه -في ثقافتنا الحالية- فنقول: فلانٌ عسل، فللعسل نحو ثمانين اسما، وللسيف نحو الأربعين، ولولا خشية الإطالة والخروج عن الهدف من الفكرة فهناك الكثير مما تعددت أسماؤه في اللغة العربية.

يقول الفيروزأبادي الذي ألف كتابا أسماه : [الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف] : “أعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى أو كماله في أمر من الأمور، أما ترى أن كثرة أسماء الأسد دلت على كمال قوته، وكثرة أسماء القيامة دلت على كمال شدته وصعوبته، وكثرة أسماء الداهية دلت على شدة نكايتها، وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلت على كمال جلال عظمته، وكثرة أسماء النبي صلى الله عليه وسلم دلت على علو رتبته وسمو درجته، وكذلك كثرة أسماء القرآن دلت على شرفه وفضيلته” اهـ

القهوة حرام ؟

 

من العجيب تحريم القهوة أوائل معرفتها في مصر لا لشيء إلا لأن اسمها قهوة، والقهوة في اللغة: الخمر، وهذا لشدة ارتباط الأسماء بدلالاتها في اللغة العربية والمعنى الذي تحويه، واستطرادا فالشيء بالشيء يذكر، فقهوة الموكا Mocha تسميتها مأخوذة أصلا من منطقة المخا في اليمن وقهوتها المميزة.

وإن كنت تعجب من هذا الارتباط فلتعلم أنه فطرة وسليقة وبديهة لدى العرب، وهذه قصة للأصمعي يقول فيها : كنت أقرأ السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ فقلت كلام الله قال: أعد، فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله فانتبهت فقرأت والله عزيز حكيم، فقال أصبت هذا كلام الله فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، فقلت: فمن أين علمت؟ فقال: يا هذا عز فحكم فقطع فلو غفر ورحم لما قطع.

يُتبع.. من أسرار العرب .. اللغة العربية 2


– مراجع ومصادر:

لسان العرب – ابن منظور
الكشكول – الهمذاني
المزهر في علوم اللغة وأنواعها – السيوطي
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون – حاجي خليفة
صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال – القاضي المهدي