الانفتاح المعلوماتي.. وفرة أم فورة !!

الكاتب: محمد السقاف | يوم: 17 يناير 2009 | التصنيف: فكر | 29٬133 قراءة | طباعة

الانفتاح المعلوماتي

غرقت في غفوة بسيطة على متن الطائرة، لأستيقظ باحثا عن كراستي ومحبرتي، أو عن دفتري وقلمي كيما أدون ما دار بخاطري، بين أجواء السحاب ونقائه،  حول حال الناس مع المعلومة والعلوم في الاندفاع نحوها وتلقيها.. بين الوفرة من الكثرة، والفورة من الغليان والسخونة..

بين الوفرة والفورة ..

في حقبة زمنية تفجرت بها الثروة المعلوماتية، بما لم يعهد له سابقة، حتى أصبح العالم قرية صغيرة سرعان مايتناقل الناس خبر مشرقها في مغربها، وفي هذا العصر تحديدا نشهد تزاحم توارد المعلومات والثقافات، وتزاخم كمها أمام كيفها، وتلاطم أمواجها لتبدي براعة البحار وحذقة المحترف الماهر، ومع كل ذا فهو لايأمن المخاطر، وإن تكن روحه عشقها دوما أن تغامر!!

سرعان ماتأتي المعلومة لتصطدم بها معلومة أو معلومات أخرى تدعمها أو تنقضها، بشكل متسارع ومن عدة اتجاهات وجهات، فبعد أن كنا نبحث عن وفرة المعلومات أصبحنا نعاني من فورتها!!

تأمل في أصناف الناس مع المعلومة

تواردها بهذا الشكل يدفع بالواحد منا دون أن يشعر نحو هوس معلوماتي ينتقل به تدريجيا من جوهرها إلى مظهرها، فكأنه أشبه بمذياع لديه الخبر دون  فهم كنهه وفحواه، بعيدا عن سر المعلومة وحيثياتها، وتجده على أي موجة تريده، ولعل المثال يجده البعض أقرب بقنوات التلفزة وربما في فترة قادمة يكون أشبه بموقع انترنت يحمل كما معلوماتيا دون أن يعي في ذاته مضمون مابين صفحاته، وإن قلنا صفحات فنحن نعود إلى الكتاب لنقول العبارة الشهيرة: العلم في الصدور، وليس في السطور، وليت شعري في صنف من هؤلاء سريع الالتفات، يتكلم في كل شيء ولايتقن شيء، لايملك من العلوم سوى الفُتات، وقدر كل امرئ ماكان يحسنه.. وإن كنت أجد قدر الإنسان فيما يقدمه من نفع لنفسه أولا فمن حوله، ولكن كيف سيفيد إن لم يفد ذاته، وأنى له ذا إن لم يتقن ويحكم!!

وصنف قوي العزيمة حريص على تحقيق مايواكب طموحه وهمته، هدفه التمكن والإحكام فيضيع في دهليز العلوم والمعارف، كلما تبدى له فن انطلق نحوه ليحكمه ويتقنه دون أن تكون له خطة واضحة يسير على أثرها بخطى ثابتة، فتجده جوهرا فريدا بين الصدف، قلما خرج أمثال هؤلاء من هوس الإنجاز والإحكام، ونشوة المعلومة وفورتها، حتى يتسعوا وبقوة في مجالات العلوم بشكل منطقي مدروس، وليحذروا فقد قيل: إن للعلم طغيانا كطغيان المال.
وآخرون لاتجد هدفهم كسابقيهم، وإنما يهدف بهم الموج حيث الأضواء والفورة المعلوماتية، دفعت بهم حماسة الجديد، فلست أدري هل فورته توصلهم، ولا أدري إلى أين الواحد منهم يسير !

والعاقل.. من تأمل قوله تعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فاستزاد من هذا القليل مايترجم شكر المعلومة بإتقانها وإحسانها ونشرها بما ينفع الناس إرضاءً لرب الناس، يسير أو قل يطير.. عينٌ على الهدف تراقبه وتراقب مساره وفق خارطته التي رسمها في رحلته، وعينٌ تتأمل من حوله تستكشف كلما يفيده، ( وسخر لكم مافي السماوات ومافي الأرض جميعا منه ) فبعد ذا التسخير لايكون التقصير إلا منا، فلنتعلم من كل شيء أيما كان، فذا حال الأصفياء والعقلاء، يجعلون من كل شيء درسا وعبرة، لأنهم يدركون أنما حصلوا عليه قليل من القليل، فلايتكبرون البتة، ومن ظن أنه قد علم فقد جهل.

وأما محارب العلوم ومعاديها، المتقوقع على فهمه ومالديه، فلا أجد من الحاجة في مقالي الاستطراد بوصف حاله، ولكن أقول: الإنسان عدو ماجهل، ولاأنسى ذكر آخرين ممن يحتكرون العلوم ويبخلون بها، ألا يعلمون أن العلم يزكو بالإنفاق!!

ويحسن الختام بقوم كرام، وصفهم من كل خلق أكمله، ومن بحر العلوم أحكمه، ومن سمات الأدب أجمله، مبتغاهم وجه الكريم المعبود، ومرتقاهم عالٍ ليس له حدود، أساسهم: إخلاص النية وإفراد القصد لله، وإعطاء الأمر مايستحقه من الهمة من الإعداد والبحث والاطلاع والاتساع من كل مايحتاجه، والثالث تفويض الأمر فيه إلى الله أي عدم الاعتماد على شيء من ذلك في نجاح العمل وتمامه إلا على الله.

شكرا إلهي على ماوفقت، وعونا منك سيدي في القادم، أسألك أن يكون مقالي هذا مؤشرا لمن أراد أن يجد أين هو، ونقطة انطلاق لمن يعي مابين أسطره من إشارة، وإلا فإن عالم النفس البشرية عميقة لاتسعها المقالات..
هذا ولي في شرح بعض الحال ما ** يُسلي فؤاد المستهام النازعِ

صباح الجمعة 20 – 1 – 1430هـ – على متن الطائرة

الكاتب: محمد السقاف | يوم: 17 يناير 2009 | التصنيف: فكر | 29٬133 قراءة | طباعة

التعليقات:

اترك تعليقاً | عدد التعليقات: (14)

  1. يقول انس الفلاتي:

    جزاك الله خير
    نحن نحتاج إلى استشعار المسؤلية والاحتياط فيما نستورد ونصدر من معلومات ففي كل لحظة تصل إلى ايميل الواحد منا رسائل متعددة الموضوعات وكثير منا يتساهل في نشر ما يصل إليه دون وعي أو فلترة أوستشعار مسؤولية ماينشره أو سؤاله لنفسه هل فيما ينشره بناء أو هدم وهل المعلومة صحيحة أم تحتاج إلى تأكد هذا وناهيك عن الولع بنشر ما يسمى بفضائح الآخرين
    (اللهم ياساتر الحال لاتكشفه يا الله سترك الذي لا ينكشف في الدنيا والآخرة) وإذا نظرت إلى مايحيط بك في كثير من الأحيان من مشاكل تجد أن القران ومن أنزل عليه القران صلى الله عليه واله وسلم قد بينا الأمور بأحسن بيان وكثيرا مايذكر المولى في اياته اشارات
    قد بينا لكم الايات إن كنتم تعقلون
    ونفصل الايات لقوم يعلمون
    قد فصلنا الايات لقوم يذكرون
    واختم التعليق بآيتين ما أحوجنا إلى طول وقوف عندهما
    ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا
    يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا(وفي قراءة فتثبتوا) أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبجوا على ما فعلتم نادمين

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  2. أخي الكريم أنس الفلاتي..
    أثريت الموضوع بمداخلتك القيمة، وإشارتك إلى الانتباه حول ثقافتنا في التعامل مع البريد الالكتروني في ذاته وفي معلوماته..
    هل نحن بحاجة إلى رفع مستوى الوعي الديني والكمال الأخلاقي، لنرفع بها مستوى ثقافتنا بما حولنا !! أم كلاهما؟! وكيف يكون ذا ؟

    شكرا لك مجددا، موفق إن شاء الله..

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  3. يقول شجون ..:

    الحمد لله على السلامة يامحمد ..
    والله جداً أعجبني المقال .. مادار بخاطرك بعد الغفوة هو الواقع الذي نعيشه .. فقد بات الإنفتاح المعلوماتي المفتوح على المدى مملوء بشتى أنواع الإشتهاءات لمن يريد أن يفتح نوافذ البال على مصرعيه بين الوفرة والفورة ..
    وهنا يأتي دور العقلاء في التوجيه بالتدريج بين الجد والهزل ..
    وبين الوفرة والفورة لابد من الوقوف عند هذا المنعطف , نأمل أن تكون الوفرة نابعة من القلب تغني وتفيد , وأن تكون أكثر اقترابا من الواقع المعاش ..
    ولكي لاتضيع الوفرة في عالم الفورة , المطلوب : أن يتحرك العقلاء باتجاه ممارسة فكرهم الوافر في تنمية روح المبادرة في المجتمع والنهوض به من خلال الثقافة وبخاصة من يمتلكون البصيرة الحاذقة والبعيدة عن الابتذال أو الاستهلاك أو الإشتغال في الفورة الضائعة التي سرعان ماتفقد بريقها أو قيمتها فور معرفة غاياتها القاصرة إلى الحد الذي يهمل تقييمها كونها لاتعبر عن لغة الانفتاح الحقيقي بل تشوهها في معظم الأحيان .. !!
    وخير الكلام ماجاء في مقالك .. وأؤيد كلامك تماماً فهو فهم صحيح في أصناف الناس مع المعلومة .. أرجو أن أكون وفقت في الفهم , كما أرجو أن تتقبل وجودي في مدونتك الأكثر من رائعة ..

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  4. يقول ابو سلطان1:

    السلام عليكم مقال جميل استاذي محمد

    وعليه يكون لزام على الانسان تعلم فن الفلتره( الانتقاء)

    عندما تبحث عن معلومه ما تجد في طريقك عشرات المعلومات التي تتصل بطلبك من قريب او بعيد ولو التفت الى الجميع فلن تصل

    وكما قلت مع كل الزخم اذا لم تفلتر فستفلتر انت

    الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك

    والان

    المعلومات كالجبل ان لم تفلترها فلترتك

    والعفو

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  5. مقال جميل أخ محمد كما عودتنا دوما … أتذكر هنا المثل الشائع الذي يقول : كلما زاد عن حده انقلب إلى ضده … قد تحدثت عن موضوعك في أحد مقالاتي وسأضع الرابط لتعم الفائدة ويزداد الوعي بخطر ما ذكرته : http://www.scribd.com/doc/954053

    ظهر علوم عدة ما بين إدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات في محاولة للإحاظة بالمشكلة المذكورة ومن بينها إدارة المعلومات ثم تطور عنها إدارة المعرفة وهناك علم جديد في طور الإنشاء يسمى بإدارة الحكمة، وتدور كل من هذه العلوم حول دائرة تحديد مصادر المعلومات ومحاولة إدارتها ووضعها في أطر. وبالتالي الإنتهاء من الوفرة ومحاولة السيطرة على مصداقية ودقة المعلومات.

    نحن في عصر المعلومات وكما كنا في عصر الصناعة أو الزراعة نواجه مشاكل وأشياء تضر بدلا من أتنفع كذلك واجهنا ذلك في عصر المعلومة …

    أكتفي بهذا القدر وشكرا على مقالك.

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  6. يقول عيسى:

    مقال رائع ومتميز ككاتبه . وكما عودتنا اخ محمد دائما ان تاتي بالمفيد والمتميز .
    عسى يوفقك لكل خير
    والسلام

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  7. الأخت شجون ..

    شكرا لتعليقك ولتسليطك الضوء حول أهمية الثقافة الثقافة المتزنة، موفقة إن شاء الله.

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  8. الأخ الكريم ابوسلطان..

    ما أسميتَه فن الفلترة أو الانتقاء له محوران أساسيان :

    الأول : عمق المعلومة وقيمتها..

    الثاني : ارتباطها بمسار أهدافك ورؤيتك وخطتك لنفسك..

    موفق إن شاء الله.

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  9. الأخ الكريم المهند السبيعي..

    شكرا لمقالك الذي استمتعت بقراءته، أسأل الله لك المزيد من التوفيق..

    المهم ألا يبتعد التحديث عن الأصل، ولايتحجب الأصيل عن التطوير..

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  10. الأخ الكريم عيسى..

    سعدت بتواجدك وعباراتك الطيبة، موفق إن شاء الله.

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  11. يقول آلاء:

    استاذنا الفاضل ..
    مقال جميل ..منذ قليل يعلن عن اكتشاف كوكب جديد .. وعن نباتات بالجزيرة العربية معرضة للانقراض مع انها تحقق دخل وقدره 65 مليار دولار للدول التي تستخدم زيوته ..وحتى هذا الخبر لم يكتشفه العرب بل بريطانيين ..

    المعلومات تتدفق علينا يوميا من الانترنت والتلفاز والصحف .. يوميا نسمع بانجازات واكتشافات ..
    لأتسائل هل سنسمع بهذه الاكتشافات من بلادنا كما سمعنا خبر التهديد بالانقراض لهذه النباتات ..

    شكرا لكم ..

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  12. الأخت آلاء.. شكرا لتواجدك الجميل، وإذا حرصنا على أن نفهم كيف نتعامل مع المعلومات وكيف نفعلها ونستفيد منها سنصل لما هو أعلى من ذلك.. ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  13. يقول أنس:

    السلام عليكم
    ياسيد محمد وفقك الله وحفظك في حلك وترحالك
    وعذرا على التأخر في الرد على سؤالك لأني معاد تابعت الموضوع
    الذي أظنه أننا بحاجة إلى حسن تأسيس ثم حسن بناء وهاتان الخطوتان
    شرحها يعرض ويطول وخلاصة الكلام اننا بحاجة الى تعميق معنى تقديم
    الأهم على المهم وترتيب الأولويات فعندنا في مبادئ الإسلام أمور أساسية
    وكلية تنبني عليها جزئيات كثيرة غير منحصرة فمن أحكم تعلم الكليات وكان
    ذا عقل راجح ووعي سهل عليه بعد ذلك أن يربطها بالجزئيات فعلى سبيل
    المثال عندنا في الشريعة حرمة المسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)
    فهذه قاعدة كلية تتفرع منها جزئيات كثيرة مثل حرمة الغيبة والنميمة والسب والاستهزاء
    أو مايسمى بالفضايح والتشهير أو الاحتقار أو حتى مجرد سوء الظن بالقلب أو تخويفه أو كسر خاطره
    الى غير من الأمور الجزئية التي لا تنحصر
    بالاضافة الى ما يتعلق بخارطة الطريق كما يسميها أهل المعرفة بالله التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله اعطو ا الطريق حقه
    والكلام يطول ياسيدي محمد وهذه قاعدة ومثال وقس عليها غيرها

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

  14. الأخ الكريم أنس.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

    شكرا لتعليقك وما كتبته وحقا نحن بحاجة لفقه ترتيب الأولويات..

    موفق إن شاء الله..

    تقييم التعليق: Thumb up 0 Thumb down 0

أكتب تعليق

CommentLuv badge

سقاف كوم - حيث لا سقف للمعرفة! | جميع الحقوق محفوظة لموقع سقاف كوم | اتصل بنا لأفضل وأسرع تصفح لمدونة سقاف كوم استعمل فايرفوكس